الحديث عن السياسة في أقا أمر صعب و شاق للغاية لأنه يستلزم أن نتساءل أولا عن أي نوع من السياسة نتحدث؟
منذ زمن قصير لوحظت طفرة نوعية في العمل السياسي في أقا على مستوى الشكل فقط أما على مستوى المضمون فقد بقي كما هو و يبدو أن الأجيال القادمة ليست مستعدة لتغييره و لكن يجب أن لا نسى بأن ذلك مرتبط بالمنظومة السياسية الوطنية. فعلى مستوى الشكل فقد كان من السائد بأن المسنين هم وحدهم لهم الحق في الترشح و الرئاسة أما الباقي من الشباب و النسوة فعليهم واجب التصويت فقط و إلا فإنهم سيواجهون الويلات من الرئيس المستقبلي. أما اليوم فقد لوحظ انخراط كل من الشباب المتحمس و العنصر النسوي الثائر(لا أقصد "ثورة النساء" بمفهومها ألقدحي) من أجل المساهمة في تدبير الشأن المحلي. أما على مستوى المضمون فإن الآليات و المنهجية لم تتغير,مما جعل الرؤساء الجدد ينتهجون نفس إستراتيجيات أسلافهم من إعطاء للعهود و نقضها ومن حلف بأغلاظ الأيمان و الحنث فيها... فلا ثقافة الشباب و لا ثورة النساء شفعت لهم
فعندما نتحدث عن السياسة في المغرب بشكل عام و في أقا بشكل خاص فإنه حدث موسمي كموسم الحصاد و موسم جني التمور. و قد ساهمت "الثقافة الفلاحية" لدى السكان من ترسيخ مفهوم "السياسة الموسمية" فما أن ينتهي موسم الحصاد حتي ينفُض الجميع أيديهم من الغبار فيذهب الرابح بربحه و يذبح القرابين للمصوتين عليه شكرا لهم و قد يضطر حتى للسجود لهم لأنهم مكنوه من التغلب على فلان ابن فلان الذي كانت له معه حسابات تاريخية قديمة قدم الزمان مع أجداد أجدادهم . و لكن ما أن تنتهي هذه المراسيم حتى تعود العاصفة إلى هدوءها و حليمة إلى عادتها فرئيسك الذي صوتت عليه لم تكد تراه إلا مرة في الأسبوع عندما تصادفه في السوق الأسبوعي فيغض النظر كأنه لم يراك (يمارس السياسوية حتى في الأسواق) وعندما تبحث عن خدمة في مقره فلن تجد إلا حارس البلدية أو الجماعة يستقبلك بصوت يائس ويطلبك بأن تنتظر النهار بأكمله كأنك ستواجه باراك أوباما مع العلم بأن اللقاء مع هذا الأخير أسهل بكثير لأنه على الأقل يتقن فن السياسة و يؤمن بالدبمقراطية (حسب مفهوم و.م.أ؟),هذا في أحسن الأحوال. و في أسوءها فلن تجد لا الرئيس و لا النائب الأول و لا الثاني و لا الثالث و لا حتى العاشر مما يجعلك مضطرا للبحث عنهم إما في أمكنة اللغو و الغيبة و النميمة و التبركيك أو في" أموند" حيث تجده متكئا يدخن" السبسي" أو الأفيون أو في منزله حيث تجده متكئا (على جنب الراحة) أو يغط في سبات عميق و لسان حاله يقول فليذهب الأقاويون إلى الجحيم .
و من جهة أخرى يعض الخاسر على يديه من الغيظ ليس لأنه فوت فرصة تغيير الواقع المعيش للسكان و لكن لأنه فوت فرصة الإستفادة من مشاريع مستقبلية في المنطقة و لأنه فوت فرصة إتمام صفقته التجارية في ضمائر البشر الذين كان قد دفع لهم الرشاوي ليلة الإنتخابات و التي اعتبرها كاستتمار ستكون ثماره عندما يعتلي كرسي الرئاسة . و بعد الخسارة تجده يلبس جلباب الواعظين و يتقمص شخصية المواطن الصالح و يتحين الفرص لفضح عيوب الذين أطاحوا به.
و أفضل اسم "السياسوية" عوض السياسة. طبعا ستسألون ما هو الفرق؟ ف"السياسوية" هي "عمل اللاسياسيين في السياسة" يعني أن يدخل شخص لا علاقة له بالسياسة في عمل تسيير الشأن المحلي لمجتمع معين أو لأمة معينة,و قد كان حافزه في ذلك سواء مستواه الثقافي المتواضع أو تشجيعات مجموعة من الأميين الذين يريدون استغلاله لتحقيق أغراض شخصية محضة.و هذا ما حدث بالضبط في حكومة علال الفاسي الفاشلة الذي حشد فيها مجموعة من التقنوقراط كنزهة الصقلي و الطيب الفاسي و هشام الكروج ونزهة بدوان... وقد كشف هذا العيب بعد تعويض وزيرة الشبيبة و الرياضة بمنصف بلخياط و مطالبة البعض بالإستقالة, إلا أن أوامر عليا جاءت لتمنعهم من تلك الحرية لأنه ضرب في مصداقية المؤسسة الملكية التي خول لها الدستور سلطة مطلقة في تعيين و نقض الحكومة بغض النظر عن الحزب الفائز في المشهد الأخير من مسرحية الإنتخابات.
إن المستوى الثقافي ليس دائما معيارا من معايير النضج السياسي .إن العمل السياسي عمل شريف يرتبط أساسا بالسعي إلى إحلال العدل و تحقيق العيش الكريم و ضمان التقسيم العادل للخيرات و جعل المصلحة الجماعية فوق المصلحة الشخصية,إن العمل السياسي هو في الدرجة الأولى قناعة وأخلاق فلا أحد يلزمك بممارسته و لكنه استجابة لنداء الضمير من أجل التغيير و الإصلاح.