تصلح الرياضة المعاصرة لتكون نموذجاً قوياً للتداخل بين التطور العلمي ونشاطات الحياة اليومية، خصوصاً تلك التي تهتم أيضاً بالنواحي المادية مثل الاعلانات. وبقول آخر، فإن الأمر عينه يدل الى تحوّل الرياضة إلى صناعة متكاملة تمزج العلم والمعرفة والاقتصاد والمال لتضمن أقصى مردودية ممكنة، سواء للإداء الجسدي أم للدخل المادي.
وفي المشهد الرياضي المعاصر، لا تصعب رؤية الأبطال الجدد يحملون إرادة وقوة لا تلين، ما يذكرنا بأبطال الرومان أو فرسان العرب، لكنهم يتميزون عن أسلافهم بكثافة حضور الرياضة في أجسامهم وأرقامهم وثيابهم وأدواتهم وغيرها.
تصلح رياضة التنس الأرضي كمثال عن تلك الأشياء، والتي برزت أمام أعين الجمهور، الحاضر في الملاعب أو المتابع عبر الشاشات الفضية، في مسابقات التنس الأخيرة مثل بطولات رولان غاروس الباريسية وويمبلدون اللندنية وانديانابوليس الأميركية.
لنبدأ من جانب من الدعاية والاعلان التي أصبحت عصباً أساسياً في الرياضة. فمن المعلوم أن مسابقة رولان غاروس وشركة «أي بي أم» IBM للمعلوماتية يربطهما اتفاق للتعاون، مدّدت أخيراً لمدة 3 سنوات.
وبموجب ذلك الاتفاق، تتكلف «أي بي أم» بالجانب الالكتروني لتلك المسابقة، الذي يتضمن توفير الإحصاءات عن اللاعبين واللعبة، وجداول المسابقة وأطرافها، والنتائج في الملاعب؛ إضافة الى بث المباريات مباشرة على الشبكة العنكبوتية. وبتصفح الموقع الالكتروني للمسابقة يُلاحظ أن شركة «آي بي أم» تتولى تجديده باستمرار. فقد صار من المستطاع، مثلاً أن تختار لاعبك أو لاعبيك المفضلين، وأن تحصل على تفاصيل مسيرتهم رياضياً، وانجازاتهم في مسابقات الكرة الصفراء، ومعلومات عن مستوى إدائهم، وسير عن حيواتهم وغيرها.
كما باتت الصور الفورية الالكترونية، عبر نظام الفيديو الرقمي، تشارك في صنع قرار الحكام، وتحسم في خروج الكرة الصفراء عن خط الملعب أو ملامستها الشبكة وغيرهما من المسائل التي يثور حولها اللغط أحياناً. وبذا، لم يعد وقت الحكام واللاعبين ليهدر في الركض الى الخطوط البيض لتقصي آثار سقوط الكرة عليها. كما تقيس اللوحات الالكترونية في ملاعب التنس قوة ضربات الارسال وسرعتها؛ كما تعطي معلومات عن سرعة الريح ودرجتي الحرارة والرطوبة وغيرها.
ويبرز في سياق العلاقة بين التكنولوجيا ولاعبي التنس أن هؤلاء يعتبرون من أكثر الناس استعمالاً لتقنيات الحواسيب والهواتف النقالة، نظراً الى أسفارهم المستمرة، الأمر الذي يولّد حاجتهم للاتصال بأشكاله الأكثر تطوراً، بعائلاتهم وأصدقائهم وحتى مع مدربيهم، حين لا يستطيعون التنقل مع أولئك اللاعبين.
وفي سياق البحث العلمي والتكنولوجي، يُذكر أن المركز التقني التابع لـ «الجامعة الدولية لكرة التنس» بات يعقد مؤتمراته دورياً للبحث في سبل الاستفادة من المستجدات العلمية لاغناء لعبة التنس الأرضي وتطويرها. وتتعلق تلك المستجدات بتقنيات الأدوات المستعملة مثل المضرب والكرة، وأرضية الملاعب، وأحذية الرياضة وملابسها وغيرها. فمن المعلوم أن مضرب التنس الأرضي المستعمل الآن ليس هو عينه الذي حملته الأيدي قبل سنوات. فبواسطة المضرب الحديث، تستطيع أن تضرب الكرة بقوة ودقة لم تكن متيسرة حتى عند أبطال كبار في السابق. كما أصبحت سرعة كرة المضرب تتجاوز أكثر من 200 كيلومتر في الساعة عند الإرسال لدى كثير من اللاعبين، بأثر من أشياء كثيرة ضمنها المواد المستعملة في صنع المضرب والكرة.
وغالباً ما تنتهز الشركات العملاقة المسابقات الكبرى، خصوصاً تلك المندرجة ضمن منافسات «غران شليم»، للدعاية لمنتجاتها عبر اللاعبين البارزين الذين يستطيعون أن يملأوا أخيلة الجماهير المليونية لتلك اللعبة الواسعة الانتشار.
د. عمرو مطاوع