يمكن تصنيف تجربة الفنان الحسين أمراكشي ضمن تجارب اتجاه التجديد في الاغنية الامازيغية التقليدية، وهو اتجاه في الواقع عرف نوعا من النضج منذ اوائل التسعينيات، واستمر بوتيرة تصاعدية بفضل اكراهات التحول الاجتماعي وما طرأ على الساحة الفنية الوطنية عموما من تأثيرات على مستوى الانفتاح الكبير على موسيقى الشعوب التي روجتها بشكل كبير الطفرة الاعلامية وتبعات العولمة، دون ان يكون التجديد على مستوى الشكل اختياريا بالدرجة الاولى.
فمنذ اوائل التسعينيات، تعرف الجمهور السوسي بالخصوص على تجربة هذا الفنان المتميز، والتي من خصائصها انها ذات مضامين شبابية في الجوهر، ولا تتجاهل التوثيق لبعض اللحظات او الاحداث التي اما أن تكون ذات طابع وطني، او رياضي، او اجتماعي عام، من خلال توظيف قضايا الشباب في قوالب موسيقية رنانة يصاحبها الصوت المتميز للفنان الحسين أمراكشي، الى درجة انه اصدر الى الان ما يناهز 76 ألبوما سمعيا، وحوالي 8 اشرطة سمعية بصرية، ميزتها انها تجد اقبالا كبيرا عليها بلغة المبيعات، مما جعله من الفنانين الذين تطلب المهرجانات ودهم، سواء كانت خارج المغرب، وبالضبط في فرنسا، اسبانيا، هولندا وبلجيكا، او داخل ارض الوطن ، كمهرجان تيميتار الذي تألق في دورته الاخيرة بشكل كبير يؤكده الحضور الجماهيري الكبير لعروضه، ومهرجانات أملن تافراوت، امينتانوت، دمنات، تمانارت تغجيجت وغيرها، دون ان ننس مسرح محمد الخامس بالرباط، وبالضبط لحظة تكريم الفنان مبارك أيسار.
والاكيد ان الحسين أمراكشي يعتبر نفسه من خريجي مدرسة أيسار الفنية، مع تنويع على مستوى طريقة الاداء والتلحين.
في سؤال للمنعطف عن وجهة نظره حول الساحة الغنائية الامازيغية الآن، أكد بأن المجال اصبح مهددا بشكل كبير من قبل القرصنة، الى درجة انه من الممكن لاقدر الله في المستقبل ان تتوقف شركات التسجيل عن دعمها وترويجها للاعمال الفنية، بحكم اختلال توازنها المادي، وهو ما سيؤثر بشكل مباشر على الوضعية الاعتبارية والاجتماعية للفنان الامازيغي، من خلال تعريض حقوقه الفكرية والادبية وكذا المادية لحسابات الفوضى والارتجال الناجمة عن تنامي هذا القتل البطيء، دون وجود آليات على مستوى المراقبة وتحيين القوانين التي بإمكانها الحد ولو عبر مراحل من تفاقم الوضع، لكن، ورغم القرصنة التي يتعرض لها الفنان الامازيغي، فانه يبقى مصرا على التحدي، دون ان يثنيه المشكل عن الصمود ومواصلة الابداع، مع المراهنة على تغير عقلية جزء هام من الجمهور، مادام هذا الاخير وحده يستطيع
وضع اولى خطوات محاربة مغتصبي حقوق الفنان، من خلال عدم الاقبال على الاشرطة المقرصنة والتي يعد مجرد اقتناءها جريمة في حق الاغنية المغربية بشكل عام، وفي حق أسر الفنانين والمنتجين بشكل خاص، وهو ما جعل العديد من الفنانين والهيئات يبادرون الى التحسيس بالخطر القائم، ومن تلك المبادرات التحسيسية يمكن ذكر الاغنية المعبرة عن تحديات القرصنة، والتي تضمنها الالبوم الاخير للفنان الحسين أمراكشي.
واذا كان جل الروايس قد نهلوا من التراث في بعض اغانيهم، او قاموا باعادة التغني بأغان تعتبر من الخالدات في ريبرتوار الاغنية الامازيغية، فاننا نكاد لا نلمس هذه الظاهرة في تجربة الحسين أمراكشي، والذي منذ بداياته حافظ على نسق خاص به، هو مزيج من تأثره الواضح بتجربة مبارك ايسار كما قلنا، واتجاهه نحو الاغنية العصرية على مستوى الشكل هو ما سيفضي في نهاية المطاف الى التخلي في مناسبات كثيرة عن نظام وتركيبة الروايس، مفضلا الاعتماد خلال السنوات الاخيرة على شكل الاوركسترا، وهو ما يلامسه المستمع لاغانيه والبوماته الاخيرة مثلا، مع خاصية ايجابية تتمثل في الاحتفاظ على آلات العزف التراثية، خاصة آلتي ” الرباب” و ” لوتار”، دون المجازفة باختصار فهوم التجديد في مجرد استعمال آلات جديدة دون توظيف جيد او مبرر كما هو الشأن في تجارب اخرى كثيرة، لم يكن لها في الاصل مفهوم محدد وواضح لمسألة العصرنة، وبالتالي اختصرتها فقط في ادخال العديد من الآلات ، بشكل يمجه الذوق الفني العام، وينصرف عنه بسهولة.
حين سألناه عن اسباب احتفاظه في الغالب بقصائد لا تحقق وحدتها العضوية والموضوعية، برر ذلك بأن الاغنية الامازيغية في مجملها معروفة بغياب الوحدة الموضوعية، اللهم بعض الاستثناءات القليلة المرتبطة بالرواد، ومن اسباب ذلك، ان القول بإلتزام موضوع واضح على مدار القصيدة فيه بالفعل ايجابيات، لكنه لايخلو من سلبيات، منها أن أفق انتظار او تماهي المستمع مع اغنية معينة \ات موضوع واحد يقل، بفعل عدم التنويع على مستوى نوعية الدفقات الشعورية والاحاسيس التي يخاطبها النص الغنائي، العامل الذي قد يجعل من الاغاني ذات الموضوع الواحد وسيلة تخلق جمهورا نخبويا لهذا الفنان او ذاك.
ان الفنان ، يقول الحسين أمراكشي، يخاطب جمهورا متعدد الاهواء والمتاعب و نوعية المعاناة، لذلك فإنني اراعي هذا الجانب تماما في كلمات نصوصي الغنائية، بل، لا اخفيك انني اتوصل في احيان كثيرة بمكالمات من بعض محبي تجربتي الفنية،
مكالمات قد يبوح لك عبرها انسان بسيط ومقهور بأسراره العاطفية، ويحكي لك في حالات كثيرة عن صدمات عاطفية، ينهيها بالتماس تضمين تلك الحكاية او التلميح اليها في اغنية قادمة، وربما ما لايعرفه الباحثون او المهتمون بالاغنية لامازيغية هو مثل هاته النوعية من الثقة التي يضعها شباب في فنان معين، وكأن ذلك المواطن البسيط يقول: عن مثل هذه المعاناة نتوقع ان تتمحور اغانيكم، في شبه عملية تأثير وتأثر بصيغة جدلية.
لكن، اعتقد ان الوحدة الموضوعية تحققت في نصوص اغان لي، ومنها بالخصوص الاغاني التي استحضرت احداثا وحدت المشاعر ، سواء تعلق الامر بتوحيد تلك المشاعر بسبب حدث محزن او مؤثر في الجميع، كما هو الشأن في النص الغنائي الذي فيه وصف لمشاعر الكآبة والالم التي عاشها المغاربة بعد وفاة الحسن الثاني رحمه الله، او فيها اختلاس لحظة فرح مفاجئة، كما هو الشأن في النص الغنائي الذي كان موضوعه رياضيا، من خلال حدث فوز حسنية اكادير ببطولة المغرب لكرة القدم ومازال الى يومنا هذا يقدم ابداعات جديدة وسيستمر.
كتبهامحمد بلوش