“دعوها فإنها منتنة” مبدأ سار عليه الإسلام في معالجة ظاهرة التعصب القبلي … ولعل أبرز ما يتكون منه هذا المبدأ العظيم في معالجة موضوع له جذوروه, امتداداته, تفرعاته و نتائجه هو كلمتي “دعوها” و “منتنة”.
إيه, نعم… “دعوها” فعل أمر من الشارع للنهي عن الاسترسال في التعصب لأنه من لوزام الجاهلية القديمة العمياء التي لا تبصر إلا روابط الدم و المجال. و هي من عوالق “العقلية البدوية” على حد قول “ابن خلدون”… أما وصف العصبية بـ”النتن” فله ما يبرره لأنها تجعل العقول تفكر في اتجاه واحد هدفها في ذلك النيل من الآخر و الحط من قدره و إبراز الذات بعيدا عن قواعد المنطق المستقيم..
العصبية الدموية لها ما يبررها من حيث الجهل الفاحش لمنتسبيها و الأمية المستفحلة, و قد تبخرت هذه الجهلية مع بروز فجر الإسلام الحنيف فربى الدين الإنسان و جعل العقل يرقى أكثر… لكن في مغربنا الحبيب عادت الظاهرة مع غياب الوعي الديني و ظهور البراغماتية و النفعية و الوصولية التي يغذيها ما يسمى “انتخابات” فتجد العصبية العمياء توغلت حتى في الأسرة الوحيدة لتتخذ شكلا أعقد من عصبية الجاهلية, التي هي على الأقل حافظت على أواصر الأسرة الوحيدة…أما عصبيتنا –من صنع مغربي- فقد فرقت بين الأب و ابنه والأم وابنتها فالكل يغني على ليلاه.
غير أن العصبية القبلية تأتي في المرتبة الثانية إذا ما قورنت بالعصبية الإلكترونية و حرب المنتديات و المواقع الإلكترونية حيث أدى ذلك إلى ما سأسميه بـ”عولمة التعصب” و المشكل في هذه الظاهرة هو أن أبطالها مثقفون و يفهمون قواعد اللعبة الاجتماعية, بل قد تجد منهم من درس علم الاجتماع وحصل فيه على شواهد, مما يعني أن التخلي عنها بات مستحيلا نظرا لـ”تفلسف” هؤلاء المتثقفون و إتقانهم فن تبرير “مواقفهم” عبر ردود و مقالات و تعاليق تبرز عمق الخلافات بين أصحاب البلد الواحد.
إن التعصب, بالرغم من دوره في إذكاء روح المنافسة بين الجماعات الإنسانية و تنمية القدرات الفردية و من تم بناء الكيان, له سلبيات أكثر, كونه يهدم أكثر مما يبني, فهل سنبقى هكذا متفرقين في عالم لا يعترف بالفردانية؟؟؟ أم أننا سنجتمع من أجل الهدف الأسمى و هو بناء الوطن, في شكل متقدم من نكران الذات و وحدة العمل؟؟؟
ذ.محمد ساعو
لجريدة أقا بلا حدود الإلكترونية