لعل أول مرحلة من مراحل اتصال المغاربة بالمذهب المالكي في منطقة النفوذ الإدريسي كانت عن طريق الدفعة الأولى من العرب الوافدين على المغرب من إفريقيا و الأندلس، فوافوا إدريس الثاني بمدينة وليلي، العاصمة الأولى للدولة الإدريسية و ذلك سنة 189 للهجرة، و كان هؤلاء الوافدون في الجملة نحو خمسمائة فارس من مختلف قبائل العرب، فسر إدريس بمقدمهم و أنس بوفادتهم، و اتخذهم بطانة ، حيث استوزر منهم عمير بن مصعب الأزدي، و كان من فرسان العرب و سادتها، و كان موقع العاصمة الثانية فاس من اكتشافه و اختياره، إذ بعثه إدريس الثاني لارتياد هذا الموقع، و دراسة ملاءمته و استراتيجيته. واستقضى منهم عامر بن محمد القيسي من قيس غيلان، و كان رجلا صالحا ورعا فقيها، سمع من مالك و سفيان الثوري، و روى عنهما كثيرا، قدم من المشرق إلى الأندلس مجاهدا، ثم وفد على إدريس الثاني في جملة الوافدين عليه من الأندلس، و استكتب الفقيه المالكي أبا الحسن عبد الله بن مالك الأنصاري الخزرجي .
ثم توالت الوفود بعد هذا تترى على إدريس الثاني من الحاضرتين المالكيتين القيروان و الأندلس، فأنزل كل بلد بعدوة من عدوتي فاس ونسبت كل عدوة إلى قاطنيها فأصبح منذ ذاك الوقت يقال عدوة القرويين و عددهم عندئذ نحو ثلاثمائة أسرة، و عدوة الأندلسيين و عددهم حينئذ نحو أربعة آلاف بيت، و السبب في كثرة الأندلسيين الوافدين على المغرب الأقصى يرجع إلى خوفهم و فرارهم من التقتيل و التصليب الذي قام به الحكم الربضي فيهم) 180-206) في الأندلس قمعا لثورة أهل أرباض قرطبة الذين ثاروا عليه بأمر من أهل الورع و الدين من أئمة المالكية . أسالكم خالص الدعاء