إن الأمة الإسلامية أمة وسطية قد رفع الله قدرها، فجعلها خير أمة أخرجت للناس، و شرفها فجعلها أمة رسالة و دين و دعوة، و قد عاشت في سنينها الأولى - بين أمم الأرض - قائدة، فتبوأت مكانة مرموقة و تحققت بذلك أفضليتها الربانية في البسيطة في كل المجالات، و لكن للأسف الشديد - وليقضي الله أمرا كان مفعولا- مرت عليها بعد ذلك قرون القحط فاعتلت و نامت، لكنها لم تمت، لأنها قد تمرض، و قد تنام، و قد تكون في غفلة، لكنها لا تموت، و لن تموت حتى يرث الله الأرض و من عليها، لأنها أمة رسالة و دعوة.
و قد استيقظت اليوم - و الحمد لله - من سباتها، و تأججت نار همتها بعد أن اشتاقت إلى تاريخها المجيد، فأرادت أن تعيد بناءه وتعيش حياة عز من جديد كي تعود إلى سيرتها الأولى، ولقد فكرت و قدرت، ثم نظرت و تأملت، فعلمت أن لا صلاح ليومها ولا لغدها إلا بما صلح به أمسها، فعزمت على قراءة تراثها بذاتها لتغرف منه غرفة جديدة و تستمد منه ذلك المشعل الجليل، كي تنير به دربها لتترقى في الدرجات العلا. إلا أنه لقراءة التراث لابد من فهم المصطلح، و لاستيعاب التراث لابد من ضبط المصطلح، و لبناء الذات لابد من فقه المصطلح، ... فلا مناص للأمة من دراسة هذا المصطلح.
و إن هذا الموضوع الذي بين أيدينا لوطيد العلاقة بقضية المصطلح، و لا أزعم أني سأقوم بدراسة مصطلحية - و إن كنت سأخطو بعض خطاها- لأن ذلك شأن الأسود و ما أنا منهم، بل ما أنا إلا نملة تعجز حتى عن الإستئساد، و الحق قلت. فما هذه إلا محاولة لفرز المعاني اللغوية و الشرعية لبعض المصطلحات، للنظر إلى المعنى الجامع بين هاتِه الحقائق و إلى العلاقة القائمة بينها.
و أما سبب البحث في هذا الموضوع دون غيره: فإن الموضوع لم يكن من اختياري، و إنما من مشرفي الأول - جزاه الله عني خير الجزاء- ذلك أنني أتيته بعدة مواضع فردها علي كلها و آقترح علي هذا الموضوع. و بعد بحث أولي فيه تنبأت بجلالته و بعدم قدرتي على البحث فيه، و مما أكد ظني هذا، أنني طلبت من بعض أساتذتي الأفاضل إمدادي ببعض المراجع في هذا الموضوع، فآستصعبوه علي، فترددت على مشرفي ثلاث مرات أطلب منه الموافقة لي على تغيير الموضوع، لما وجدت فيه من صعوبة، وكل مرة يردني و يرشني بكلمات تقوي همتي، حتى حيل بيني و بين مرادي فشرعت في هذا الموضوع، و بعد ذلك فطنت لأهميته. إلا أنني أخوف ما أخاف أن أكون متجاسرا جريئا على ما لست له بأهل. وأسأل الله تعالى المعونة و التوفيق و السداد. آميــــــن.