لقد كان هذا الجم الغفير الذي وفد على المولى إدريس الثاني من الحاضرتين، و الذي يضم عددا معتبرا من الفقهاء و أهل العلم، يتمذهب بمذهب إمام دار الهجرة باعتباره السائد في تونس و الأندلس، و قد وجد هذا الوفد من الترحيب ما لم يخطر بباله و لم يجر بحسبانه، و مما زاد من فرحهم أن المولى إدريس قربهم إليه و اتخذ منهم بعض العلماء فجعلهم من خاصيته و أشركهم في مسؤولية حكم البلاد و صير القضاء و الفتيا و كثيرا من المناصب إليهم ... و آثرهم على كثير من أخواله البربر، كل ذلك لأن المولى إدريس عربي يتيم بين البرابرة ، و الوافدون عليه من بني جلدته، و هم الذين سيخففون عليه حدة الإغتراب. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن ما فعله المولى إدريس من تولية الوافدين عليه مناصب متعددة لم يكن له أي أثر في نفوس البربر، و ذلك لأنهم يعلمون حقا أن المولى إدريس لم يجانب الصواب فيما فعل، إذ كيف يترك العلماء و يقلد من دونهم من البربر أمور الدين.، و لا شك أن المولى إدريس بفعله هذا قد فتح المجال للمذهب المالكي كي يدخل من أوسع الأبواب إلى المغرب الأقصى ، ليكون هو المذهب الذي تتبناه الدولة قبل أن يكون المذهب الذي تقلده عامة الرعية.
و يروى أن من بين أسباب انتصار إدريس بن إدريس لمذهب مالك، ــ زيادة على ما سبق ــ رواية مالك في الموطأ عن جده عبد الله الكامل، و فتياه بخلع أبي جعفر المنصور العباسي و بيعته لمحمد نفس الزكية، و عهده لأخيه إدريس الأكبر بالخلافة بعده، فكان مالك هو السبب في ولايتهم الملك، لذلك قال إدريس: نحن أحق باتباع مذهبه، و قراءة كتابه الموطأ، و أمر بذلك في جميع عمالته .
أسالكم من خالص دعائكم