يحيى بن معين : حدثنا هشام بن يوسف ،عن عبد الله بن مصعب ،أخبرني موسى بن عقبة ،سمعت علقمة بن وقاص الليثي قال : لما خرج طلحة والزبير وعائشة للطلب بدم عثمان ،عرجوا عن منصرفهم بذات عرق ،فاستصغروا عروة بن الزبير ،وأبا بكر بن عبد الرحمن فردوهما ،قال : ورأيت طلحة ،وأحب المجالس إليه أخلاها ،وهو ضارب بلحيته على زوره ،فقلت : يا أبا محمد ، إني أراك وأحب المجالس إليك أخلاها ،إن كنت تكره هذا الأمر ،فدعه ،فقال : يا علقمة ، لا تلمني ،كنا أمس يدا واحدة على من سوانا ، فأصبحنا اليوم جبلين من حديد ،يزحف أحدنا إلى صاحبه ،ولكنه كان مني شيء في أمر عثمان ،مما لا أرى كفارته إلا سفك دمي ،وطلب دمه .
قلت : الذي كان منه في حق عثمان تَمغْفلٌ وتأليبٌ ،فعله باجتهاد ،ثم تغير عندما شاهد مصرع عثمان ،فندم على ترك نصرته رضي الله عنهما ،وكان طلحة أول من بايع عليا ،أرهقه قَتَلَة عثمان ،وأحضروه حتى بايع .
قال البخاري : حدثنا موسى بن أعين ،حدثنا أبو عوانة ،عن حصين في حديث عمرو بن جاوان ،قال: التقى القوم يوم الجمل ،فقام كعب بن سور معه المصحف ،فنشره بين الفريقين ،وناشدهم الله والإسلام في دمائهم ،فما زال حتى قُتِل . وكان طلحة مِنْ أول قتيل . وذهب الزبير ليلحق ببنيه ،فقتل .
يحيى القطان : عن عوف ،حدثني أبو رجاء قال : رأيت طلحة على دابته وهو يقول : أيها الناس أنصتوا ،فجعلوا يركبونه ولا ينصتون ،فقال : أف ! فَرَاشُ النار ،وذُباب طمع .
قال ابن سعد: أخبرني من سمع إسماعيل بن أبي خالد ،عن حكيم بن جابر قال : قال طلحة : إنا داهنا في أمر عثمان ،فلا نجد اليوم أمثل من أن نبذل دماءنا فيه ،اللهم خذ لعثمان مني اليوم حتى ترضى .
وكيع : حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ،عن قيس قال : رأيت مروان بن الحكم حين رمى طلحة يومئذ بسهم ،فوقع في ركبته ،فما زال ينسح حتى مات .
رواه جماعة عنه ،ولفظ عبد الحميد بن صالح عنه : هذا أعان على عثمان ولا أطلب بثأري بعد اليوم .
قلت : قاتل طلحة في الوزر ،بمنزلة قاتل علي .
قال خليفة بن خياط : حدثنا من سمع جويرية بن أسماء ،عن يحيى بن سعيد ،عن عمه ،أن مروان رمى طلحة بسهم ،فقتله ،ثم التفت إلى أبان ،فقال: قد كفيناك بعض قتلة أبيك .
هشيم : عن مجالد ،عن الشعبي قال : رأى علي طلحة في واد ملقى ،فنزل ،فمسح التراب عن وجهه ،وقال : عزيز علي أبا محمد بأن أراك مجدلا في الأودية تحت نجوم السماء ،إلى الله أشكو عُجَري وبُجَري . قال الأصمعي : معناه : سرائري وأحزاني التي تموج في جوفي .
عبد الله بن إدريس : عن ليث ،عن طلحة بن مصرف أن عليا انتهى إلى طلحة وقد مات ،فنزل عن دابته وأجلسه ،ومسح الغبار عن وجهه ولحيته ، وهو يترحم عليه ،وقال : ليتني مُتّ قبل هذا اليوم بعشرين سنة . مرسل .
وروى زيد بن أبي أنيسة ،عن محمد بن عبد الله من الأنصار ،عن أبيه أن عليا قال : بشروا قاتل طلحة بالنار .
أخبرنا ابن أبي عصرون ،عن أبي روح ،أنبأنا تميم ،حدثنا أبو سعد ،أنبأنا ابن حمدان ،أنبأنا أبو يعلى ،حدثنا عمرو الناقد ،حدثنا الخضر بن محمد الحراني ،حدثنا محمد بن سلمة ،عن ابن إسحاق ،عن محمد بن إبراهيم التيمي . عن مالك بن أبي عامر ،قال : جاء رجل إلى طلحة فقال : أرأيتك هذا اليماني هو أعلم بحديث رسول الله منكم -يعني أبا هريرة- نسمع منه أشياء لا نسمعها منكم ،قال : أما أن قد سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لم نسمع ،فلا أشك ،وسأخبرك : إنا كنا أهل بيوت ،وكنا إنما نأتي رسول الله غدوة وعشية ،وكان مسكينا لا مال له ،إنما هو على باب رسول الله ،فلا أشك أنه قد سمع ما لم نسمع ،وهل تجد أحدا فيه خير يقول على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقل ؟ .
وروى مجالد ،عن الشعبي ،عن جابر أنه سمع عمر يقول لطلحة : ما لي أراك شعثت واغبررت مذ توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم ؟ لعله أن ما بك إمارة ابن عمك -يعني أبا بكر- قال : معاذ الله ،إني سمعته يقول : إني لأعلم كلمة لا يقولها رجل يحضره الموت ،إلا وجد روحه لها روحا حين تخرج من جسده ،وكانت له نورا يوم القيامة. فلم أسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنها ،ولم يخبرني بها فذاك الذي دخلني . قال عمر : فأنا أعلمها . قال : فلله الحمد ،فما هي ؟ قال : الكلمة التي قالها لعمه ،قال : صدقت .
أبو معاوية وغيره : حدثنا أبو مالك الأشجعي ،عن أبي حبيبة مولى لطلحة ،قال : دخلت على علي مع عمران بن طلحة بعد وقعة الجمل ،فرحب به وأدناه ،ثم قال : إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك ممن قال فيهم : وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ فقال رجلان جالسان ،أحدهما الحارث الأعور : الله أعدل من ذلك أن يقبلهم ويكونوا إخواننا في الجنة ،قال : قوما أبعد أرض وأسحقها . فمن هو إذا لم أكن أنا وطلحة ! يا ابن أخي : إذا كانت لك حاجة ،فائتنا .
وعن أبي هريرة قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : لقد رأيتني يوم أحد ،وما قربي أحد غير جبريل عن يميني ،وطلحة عن يساري فقيل في ذلك : وطلحـة يوم الشعب آسى محمـدا
لـدى سـاعة ضـاقت عليه وسدت
وقـاه بكفيـه الرمـاح فقطعــت
أصابعـه تحـت الرمـاح فشـلـت
وكـان إمــام الناس بعد محمــد
أقر رحا الإسـلام حتى استقـــرت
وعن طلحة قال : عُقِرتُ يوم أحد في جميع جسدي حتى في ذَكَري .
قال ابن سعد حدثنا محمد بن عمر ،حدثني إسحاق بن يحيى ،عن جدته سعدى ،بنت عوف ،قالت: قتل طلحة وفي يد خازنه ألف ألف درهم ومائتا ألف درهم ،وقُوِّمتْ أصوله وعقاره ثلاثين ألف ألف درهم .
أعجب ما مر بي قول ابن الجوزي في كلام له على حديث قال : وقد خلف طلحة ثلاث مائة حمل من الذهب .
وروى سعيد بن عامر الضبعي ،عن المثنى بن سعيد قال : أتى رجل عائشة بنت طلحة فقال : رأيت طلحة في المنام ،فقال : قل لعائشة تحولني من هذا المكان ؛ فإن النَّزَّ قد آذاني . فركبت في حشمها ،فضربوا عليه بناء واستثاروه . قال : فلم يتغير منه إلا شعيرات في إحدى شقي لحيته ،أو قال رأسه ،وكان بينهما بضع وثلاثون سنة .
وحكى المسعودي أن عائشة بنته هي التي رأت المنام .
وكان قتله في سنة ست وثلاثين في جمادى الآخرة،وقيل في رجب ،وهو ابن ثنتين وستين سنة أو نحوها ،وقبره بظاهر البصرة .
قال يحيى بن بكير ،وخليفة بن خياط ،وأبو نصر الكلاباذي : إن الذي قتل طلحة ،مروان بن الحكم .
ولطلحة أولاد نجباء ،أفضلهم محمد السجاد . كان شابا ،خيرا ،عابدا ،قانتا لله . ولد في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- ،قتل يوم الجمل أيضا ،فحزن عليه علي ،وقال : صرعه بره بأبيه .
²man9oul